يحيا الأردن.. عاشت عمان مقالة كتبها الاسير المحرر سلطان العجلوني في جريدة السبيل

أريد أن أبدأ مقالتي هذه باعتراف!!

فأنا أعترف وأقر بأنني عاشق متطرف؛ يرى في معشوقته تجسد الجمال وغاية الأمل، لا أقيس إلى حسنها حسناً ولا إلى طيبها طيباً ولا إليها سواها... فوفروا على أنفسكم الوقت والجهد ولا تحاولوا إقناعي بالموضوعية والحياد، ولا تحاكموا أقوالي بالمنطق والعقل، فما من عاشق عاقل، وما من واله إلا وفيه من المس ما فيه...

منذ أيام عدت من شهر العسل/العمل (ومدته ثلاثة أيام) زرت فيه بيروت وطرابلس ودمشق، بلاد وهبها الله من جمال الطبيعة ما يأسر الألباب، بجبالها وبحرها وأرزها ومائها ودوام خضرتها.

ومنذ أن لمست أقدامي أرض مطار رفيق الحريري الدولي لاحظت الفرق وشعرت بالحنين، فالابتسامات الدبلوماسية المزروعة في كل الوجوه جعلتني أحن إلى «الكشرة» الدافئة التي تخفي قلباً طيباً مستعداً للنخوة التي لا تنتظر غير العرفان.

وكسائق مخضرم نال الرخصة منذ شهرين، فقد لاحظت الغياب الكامل لقوانين السير، فمن الطبيعي أن لا تقف على إشارة حمراء، ومن المعتاد أن ترى من يسير بعكس اتجاه السير، ومن غير المتوقع أن تستوقفك دورية مرور لأي سبب كان!! ويا لله كم تذكرت رجال الأمن العام الأردني من شرطة المرور وهم رابضون في مواقعهم بعيداً عن العمران ليلاً ونهاراً وفي كل الأجواء، فنسيت عندها كل أخطائهم و«الإزعاج» الذي يتسببون به عندما يستوقفونني وأنا عائد إلى منزلي ليلاً، وعلمت أن لا بد دون الشهد من إبر النحل.

قال الشاعر قديماً:

زعموا أن المحب إذا دنا يملّ، وأن البعد يشفي من الوجد فلا والله ما زادنا ابتعادنا عن هذا البلد الطيب إلا رغبة فيه، وشوقاً إليه، وقناعة به، ولا والذي نفسي بيده ما لدنوّنا منه وبقائنا فيه غير نمو الحب وازدياد الوله وتعاظم الولاء.

لم تطل غيبتي عن محبوبتي هذه المرة، ولكني عدت إليها وقد استبد بي الشوق، وكم كانت فرحتي كبيرة وأنا أعود لأحضانها، فرحة لم يعكرها حتى طلب مراجعة «الدائرة» الذي انتظرني في الجوازات عند عودتي.

لا يفهم من كلامي أن كل شيء في البلد على أكمل وجه، وأن مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية قد حلت، وأن الحريات في أحسن حال، ولكن من يرى مصيبة غيره تهن عليه مصيبته، وإن محبتنا للأردن هي التي ستدفعنا قسراً إلى السعي للارتقاء بالبلد والسير به نحو الأفضل، ونريد أن يأتي اليوم الذي نعود في من دبي ومن لندن ومن أمستردام، فيراودنا ذات الشعور بالحنين، وينتابنا ذات الفخار....